المرة الإولى التي شاهدت فيها فيلم The Lighthouse ، ترك عندي انطباع سوداوي قوي، لكن مع المشاهدة الثانية، انكشفت لي مزايا هذا الفيلم المتكامل العناصر، نحنُ لدينا فيلم يؤسس لحقبة أفلام رعب جديدة، بدون دماء او لحظات ذعر، لدينا الحوار، التصوير السينمائي، العامل النفسي، وممثلين أثنين برعوا في ادوارهم. و الحقيقة ظننت انه يتكلم عن اسطورة برمثيوس سارق النار في الأسطورة الأغريقية، لكن بعد المشاهدة الثانية ظهر ما هو ابعد من ذلك..
عام 1801، تم تعيين مجموعة حراس، ( الصورة الثانية)، على جزيرة نائية لمراقبة المنارة الخاصة بمساعدة السفن والقوارب في الليل، وتكون الحراسة مدتها شهر ويتبدلون بطاقم أخر، لكن بعد نهاية الشهر جاء المفتش الخاص ليطمئن على وضعهم، فلم يجد اي احد على الجزيرة او داخل الكوخ..تم ابلاغ السلطات وجاءت الشرطة تحقق في الأمر، كل ما عثروا عليه، كانت مفكرة لأحدهم، كتب فيها تفاصيلهم قبل الأختفاء.. ( انها ليلة باردة والأمواج عالية جداً، صوتها يشبه النواح الجنائزي، نحن خائفون ونصلي للرب ان ينقذنا ). كانت هذه القصة هي التي انتشرت في الصحف البريطانية، وتدخلت فيها تفسيرات عدة، مثل انهم هربوا او ان الكيانات الشيطانية لها دوراً في الأمر.
من هذه القصة، اقتبس المخرج روبرت ايجرز وأخوه المؤلف ماكس ايجرز، سيناريو فيلمهم “المنارة”، لكن بعمق أكبر، ساعدتهم نظريات عالم النفس النمساوي كارل يونغ، برسم وابداع شخصيات خالصة. بدلاً من ثلاثة شخصيات، يكفينا أثنين للبوح بكافة الأوجه النفسية للصراع الإنساني في مواجه العزلة والملل، وبدلاً من فيلم ملون وكادرات واسعة، لدينا الوان قاتمة وصورة ضيقة، تكبس نفسية المشاهد حتى يشعر بتوتر التحولات.
” الملل يصنع من الانسان شريراً “.
بهذه العبارة، يفتتح احد الشخصيات حواره مع شريكه، ويبدأون بالحديث عن وحشة العزلة وكآبة ان تكون وحيداً، حيث لا يوجد ما يردع أشباح الجنون من السيطرة عليك. كلاهما كان يتحدث بحذر عن مهنته السابقة قبل ان يتأهل ويكون حارساً للمنارة، وهذا ما أسماه كارل يونغ البرسونا، اي القناع الظاهري للوعي. بمرور الأيام، وانقضاء الشهر المتفق عليه، لم يأت احداً لينقلهم الى البر الثاني، وهنا تبدأ حفلة الجنون الشعواء، ما ان يتناولا الكحول، تسقط هذه الأقنعة، وتبدأ الاحاديث الدفينة بالخروج الى العلن، لنعرف مدى قبح شخصياتنا.
يعترف المخرج بأنه قدم سيناريو ضبابياً، ولكنه يمتلك عدة مفاتيح لفهمه وما على المشاهد الا البحث، لا ينكر ايضاً اقحامه ليونغ وفرويد ونظرياتهم في فيلمه، لأنه يبحث عن الغاية لا الجمالية.
الصورة الاولى لأبطال الفيلم
الصورة الثانية للشخصيات الحقيقية.